فصل: اشتمال الفاتحة على كلمتين مضافتين إلى اسم الله، واسمين مضافين إلى غير الله:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وتقرير هذا الكلام أن حاجة العبد إما في طلب الدنيا وهو قسمان: إما دفع الضرر، أو جلب النفع، وإما في طلب الآخرة، وهو أيضًا قسمان: دفع الضرر وهو الهرب من النار؛ وطلب الخير وهو طلب الجنة، فالمجموع أربعة، والقسم الخامس وهو الأشرف طلب خدمة الله وطاعته وعبوديته لما هو هو لا لأجل رغبة ولا لأجل رهبة، فإن شاهدت نور اسم الله لم تطلب من الله شيئًا سوى الله، وإن طالعت نور الرب طلبت منه خيرات الجنة، وإن طالعت منه نور الرحمن طلبت منه خيرات هذه الدنيا، وإن طالعت نور الرحيم طلبت منه أن يعصمك عن مضار الآخرة، وإن طالعت نور {مالك يوم الدين} طلبت منه أن يصونك عن آفات هذه الدنيا وقبائح الأعمال فيها لئلا تقع في عذاب الآخرة.
النكتة السابعة: اشتمال الفاتحة على أفضل معاني الذكر:
يمكن أيضًا تنزيل هذه الأسماء الخمسة على المراتب الخمس المذكورة في الذكر المشهور وهو قوله سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أما قولنا سبحان الله فهو فاتحة سورة واحدة وهي: {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء: 1] وأما قولنا الحمد لله فهو فاتحة خمس سور، وأما قولنا لا إله إلا الله فهو فاتحة سورة واحدة وهي قوله: {الم الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ} [آل عمران: 1، 2] وأما قولنا الله أكبر فهو مذكور في القرآن لا بالتصريح في موضعين مضافًا إلى الذكر تارة وإلى الرضوان أخرى فقال: {وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ} [التوبة: 72] وقال: {ورضوان مّنَ الله أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] وأما قولنا: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فهو غير مذكور في القرآن صريحًا، لأنه من كنوز الجنة، والكنز يكون مخفيًا ولا يكون ظاهرًا، فالأسماء الخمسة المذكورة في سورة الفاتحة؟ لهذه الأذكار الخمسة، فقولنا: الله مبدأ لقولنا سبحان الله، وقولنا: رب مبدأ لقولنا الحمد لله، وقولنا الرحمن مبدأ لقولنا لا إله إلا الله، فإن قولنا: لا إله إلا الله إنما يليق بمن يحصل له كمال القدرة وكمال الرحمة، وذلك هو الرحمن؛ وقولنا: الرحيم مبدأ لقولنا الله أكبر ومعناه أنه أكبر من أن لا يرحم عباده الضعفاء، وقولنا: {مالك يوم الدين} مبدأ لقولنا لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لأن الملك والمالك هو الذي لا يقدر عبيده على أن يعملوا شيئًا على خلاف إرادته، والله أعلم.

.فصل في مراتب أحوال الخلق:

قال الفخر:
السبب في أن مراتب أحوال الخلق خمسة:
أولها: الخلق، وثانيها: التربية في مصالح الدنيا، وثالثها: التربية في تعريف المبدأ، ورابعها: التربية في تعريف المعاد، وخامسها: نقل الأرواح من عالم الأجساد إلى دار المعاد، فاسم الله منبع الخلق والإيجاد والتكوين والإبداع واسم الرب يدل على التربية بوجوه الفضل والإحسان، واسم الرحمن يدل على التربية في معرفة المبدأ، واسم الرحيم في معرفة المعاد حتى يحترز عما لا ينبغي ويقدم على ما ينبغي، واسم الملك يدل على أنه ينقلهم من دار الدنيا إلى دار الجزاء، ثم عند وصول العبد إلى هذه المقامات انتقل الكلام من الغيبة إلى الحضور فقال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}.
كأنه يقول: إنك إذا انتفعت بهذه الأسماء الخمسة في هذه المراتب الخمس وانتقلت إلى دار الجزاء صرت بحيث ترى الله، فحينئذٍ تكلم معه على سبيل المشاهدة لا على سبيل المغايبة، ثم قل: {إياك نعبد وإياك نستعين}، كأنه قال: إياك نعبد لأنك الله الخالق، وإياك نستعين لأنك الرب الرازق، إياك نعبد لأنك الرحمن، وإياك نستعين لأنك الرحيم، إياك نعبد لأنك الملك، وإياك نستعين لأنك المالك.
واعلم أن قوله {مالك يوم الدين} دل على أن العبد منتقل من دار الدنيا إلى دار الآخرة، ومن دار الشرور إلى دار السرور، فقال: لابد لذلك اليوم من زاد واستعداد، وذلك هو العبادة، فلا جرم قال: إياك نعبد، ثم قال العبد: الذي اكتسبته بقوتي وقدرتي قليل لا يكفيني في ذلك اليوم الطويل فاستعان بربه فقال، ما معنى قليل، فأعطني من خزائن رحمتك ما يكفيني في ذلك اليوم الطويل فقال: وإياك نستعين، ثم لما حصل الزاد ليوم المعاد قال: هذا سفر طويل شاق والطرق كثيرة والخلق قد تاهوا في هذه البادية فلا طريق إلا أن أطلب الطريق ممن هو بإرشاد السالكين حقيق فقال: {اهدنا الصراط المستقيم}، ثم أنه لابد لسالك الطريق من رفيق ومن بدرقة ودليل فقال: {صراط الذين أنعمت عليهم}، والذين أنعم الله عليهم هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، فالأنبياء هم الأدلاء، والصديقون هم البدرقة، والشهداء والصالحون هم الرفقاء، ثم قال: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}، وذلك لأن الحجب عن الله قسمان: الحجب النارية وهي عالم الدنيا ثم الحجب النورية وهي عالم الأرواح فاعتصم بالله سبحانه وتعالى من هذين الأمرين، وهو أن لا يبقى مشغول السر لا بالحجب النارية ولا بالحجب النورية. اهـ.

.فصل في سبب اشتمال الفاتحة على الأسماء الخمسة:

قال الفخر:
سبب اشتمال الفاتحة على الأسماء الخمسة:
السبب فيه أن مراتب أحوال الخلق خمسة: أولها: الخلق، وثانيها: التربية في مصالح الدنيا، وثالثها: التربية في تعريف المبدأ، ورابعها: التربية في تعريف المعاد، وخامسها: نقل الأرواح من عالم الأجساد إلى دار المعاد، فاسم الله منبع الخلق والإيجاد والتكوين والإبداع واسم الرب يدل على التربية بوجوه الفضل والإحسان، واسم الرحمن يدل على التربية في معرفة المبدأ، واسم الرحيم في معرفة المعاد حتى يحترز عما لا ينبغي ويقدم على ما ينبغي، واسم الملك يدل على أنه ينقلهم من دار الدنيا إلى دار الجزاء، ثم عند وصول العبد إلى هذه المقامات انتقل الكلام من الغيبة إلى الحضور فقال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} كأنه يقول: إنك إذا انتفعت بهذه الأسماء الخمسة في هذه المراتب الخمس وانتقلت إلى دار الجزاء صرت بحيث ترى الله، فحينئذٍ تكلم معه على سبيل المشاهدة لا على سبيل المغايبة، ثم قل: {إياك نعبد وإياك نستعين}، كأنه قال: إياك نعبد لأنك الله الخالق، وإياك نستعين لأنك الرب الرازق، إياك نعبد لأنك الرحمن، وإياك نستعين لأنك الرحيم، إياك نعبد لأنك الملك، وإياك نستعين لأنك المالك.
واعلم أن قوله {مالك يوم الدين} دل على أن العبد منتقل من دار الدنيا إلى دار الآخرة، ومن دار الشرور إلى دار السرور، فقال: لابد لذلك اليوم من زاد واستعداد، وذلك هو العبادة، فلا جرم قال: إياك نعبد، ثم قال العبد: الذي اكتسبته بقوتي وقدرتي قليل لا يكفيني في ذلك اليوم الطويل فاستعان بربه فقال، ما معنى قليل، فأعطني من خزائن رحمتك ما يكفيني في ذلك اليوم الطويل فقال: وإياك نستعين، ثم لما حصل الزاد ليوم المعاد قال: هذا سفر طويل شاق والطرق كثيرة والخلق قد تاهوا في هذه البادية فلا طريق إلا أن أطلب الطريق ممن هو بإرشاد السالكين حقيق فقال: {اهدنا الصراط المستقيم}، ثم أنه لابد لسالك الطريق من رفيق ومن بدرقة ودليل فقال: {صراط الذين أنعمت عليهم}، والذين أنعم الله عليهم هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، فالأنبياء هم الأدلاء، والصديقون هم البدرقة، والشهداء والصالحون هم الرفقاء، ثم قال: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}، وذلك لأن الحجب عن الله قسمان: الحجب النارية وهي عالم الدنيا ثم الحجب النورية وهي عالم الأرواح فاعتصم بالله سبحانه وتعالى من هذين الأمرين، وهو أن لا يبقى مشغول السر لا بالحجب النارية ولا بالحجب النورية. اهـ.

.مسألة اغتفار الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء لقرب مخرجيهما:

قال ابن كثير:
والصحيح من مذاهب العلماء أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء لقرب مخرجيهما؛ وذلك أن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس، ومخرج الظاء من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا، ولأن كلا من الحرفين من الحروف المجهورة ومن الحروف الرخوة ومن الحروف المطبقة، فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك والله أعلم. وأما حديث: «أنا أفصح من نطق بالضاد» فلا أصل له والله أعلم. اهـ.

.اشتمال الفاتحة على كلمتين مضافتين إلى اسم الله، واسمين مضافين إلى غير الله:

قال الفخر:
في هذه السورة كلمتان مضافتان إلى اسم الله، واسمان مضافان إلى غير الله: أما الكلمتان المضافتان إلى اسم الله فهما قوله: بسم الله، وقوله: الحمد لله فقوله بسم الله لبداية الأمور، وقوله الحمد لله لخواتيم الأمور، فبسم الله ذكر، والحمد لله شكر، فلما قال بسم الله استحق الرحمة، ولما قال الحمد لله استحق رحمة أخرى، فبقوله بسم الله استحق الرحمة من اسم الرحمن، وبقوله الحمد لله استحق الرحمة من اسم الرحيم، فلهذا المعنى قيل: يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة.
وأما قوله رب العالمين الرحمن الرحيم {مالك يوم الدين} فالربوبية لبداية حالهم بدليل قوله: {أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بلى} [الأعراف: 172] وصفة الرحمن لوسط حالهم، وصفة الملك لنهاية حالهم بدليل قوله: {لّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} [غافر: 16]. والله أعلم بالصواب، وهو الهادي إلى الرشاد. اهـ.

.كلام جامع لابن القيم فيما اشتملت عليه فاتحة الكتاب من لطائف وفوائد وفرائد:

قال عليه الرحمة:
اعلم أن هذه السورة اشتملت على أمهات المطالب العالية أتم اشتمال وتضمنتها أكمل تضمن.
فاشتملت على التعريف بالمعبود تبارك وتعالى بثلاثة أسماء مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا إليها ومدارها عليها وهي الله والرب الرحمن وبنيت السورة على الإلهية والربوبية والرحمة ف: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} مبنى على الإلهية: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} على الربوبية وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم بصفة الرحمة والحمد يتضمن الأمور الثلاثة فهو المحمود في إلهيته وربوبيته ورحمته والثناء والمجد كمالان لجده.
وتضمنت إثبات المعاد وجزاء العباد بأعمالهم حسنها وسيئها وتفرد الرب تعالى بالحكم إذ ذاك بين الخلائق وكون حكمه بالعدل وكل هذا تحت قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}.
وتضمنت إثبات النبوات من جهات عديدة بين نقطتين وكلما تعوج طال وبعد واستقامته تتضمن إيصاله إلى المقصود ونصبه لجميع من يمر عليه يستلزم سعته وإضافته إلى المنعم عليهم ووصفه بمخالفة صراط أهل الغضب والضلال يستلزم تعينه طريقا.
و{الصراط} تارة يضاف إلى الله إذ هو الذي شرعه ونصبه كقوله تعالى: [6: 153]: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} وقوله: [42: 153]: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ}.